, ضباب كثيف يحتويه ظلام دامس بارد كئيب لأقصى الدرجات.
تلفت يمينا ثم شمالا, فقط خواء و فراغ مريع يصطدم بناظري الملتاع
تحسست جبهتي التي تفصدت عرقا باردا وفي هذا الجو البارد, عجبا ,
لا أدري أ حلم هذا أم واقع معاش محسوس.
تأملت الخواء بعينين خاويتين من أية أحاسيس و هالني فكرة أن يكون هذا المكان واقعا حيا , وأنني حبيس هذا الفراغ.
تدافعت دقات قلبي بتسارع شديد ورحت أسير في غير اتجاه , وراح ذهني المشتت يذوب في خيالات مخيفة, وبلا ارادة تذكر رحت أجري في غير هوادة و الضباب يزيد من كثافته الكئيبة, ومعها تزداد مأساتي سوءا بعد سوء.
وهنا دوى الصوت المخيف, نعم اني أذكر هذا الصوت و لكن أين؟
أين سمعته؟.. تسارعت دقات الصوت المهول الذي يصم الآذان بعنف فاهتزت له أوصالي المهزوزة هزا و رعبا , هذا المكان يشبه تلك المقبرة التي رأيتها في فيلم البارحة, تبا لأفلام الرعب..وتبا لي , آخر ما أتمناه اللحظة أن تتحقق أسوء كوابيسي و تظهر وحوش الفيلم ساعتها تكتمل القصة ..
تنبهت الى الصوت الذي مازال يدق بعنف, ثم حدث شيء رهيب, أخذت الأرض بالاهتزاز و عواصف تزأر ورياح تهب بلا انقطاع, و الصوت يدق و يدق ثم تنشق الأرض بغتة , صرير عنيف و رياح شديدة تخترق اذني بشراسة و أنا أهوي في الظلام....ثم..
ثم ترششششششششش...ماهذا؟ ماء!, وقبل ان أسترسل في هذا الذهول أحسست بصفعة على وجهي اقتلعتني من مكاني و...وفجأة اتضحت الرؤية المشوشة و تداخلت الصور في بعضها البعض قبل أن أسمع صوت زميلي بالغرفة و هو يصيح : -انهض عليك اللعنة!..
نظرت اليه و صورته تهتز أمامي فأخذت الأمور تصفو شيئا فشيئا, وصوت المنبه يدق في شراسة..
ياله من كابوس ويالها من طريقة فعالة في الايقاظ!
تثاءبت وتحسست صدري المبلول بالماء و آثار الصفعة مازالت ساخنة طرية على خذي.
رميت زميلي بنظرات حانقة لكنها اصطدمت بدفتر محلق في الهواء ..وقبل أن أدرك الأمر كان قد وجد طريقه الى وجهي, تصاعدت معه دماء الغضب و الدهشة فهممت ببدء شجار لن ينتهي الا في مركز الشرطة أو في مكتب المدير..
فاذا بزميلي يصيح مجددا : -أيها الأحمق ..الامتحان سيبدأ بعد عشر دقائق لقد تأخرنا...
دار عقلي بسرعة فتذكرت أن هذا يوم الامتحان, تبا لقد نسيت..
طرت من مكاني مفزوعا ناسيا ماقد حدث قبل قليل من أحداث كادت تجرني في شجار, ورحت أجوب الغرفة بحثا عن الملابس, كل شيئ مريع بهذه الغرفة لن تجد حجرا في مكانه الطبيعي, غابة من الفوضى و أدغال من الكتب و الدفاتر المشتتة في كل مكان, وبصعوبة و مشقة شديدتين, كنت أنا وزميلي عند باب الفصل ندلفه بسرعة و الأستاذ يشيعنا بنظرات متأسفة على حال طلاب المستقبل و أمل الوطن في النهوض..ففففففف..ازدرد أفكاره وتنهد بصوت مسموع قبل أن يقول:
- سعيد ..مروان لقد تأخرتما 15 دقيقة..
لم أكن مبالي بكلام الأستاذ انما كان عقلي يغلي من التعب و السهاد و قلق الامتحان, ومغبة النهوض المتأخر.
جلست على الكرسي و من ورائي زميلي سعيد, وتأملت ورقة الأسئلة الموضوعة سلفا على المنضدة, وقلبي يدق بعنف ,لا أدري ان كانت ساعتين من التحضير للامتحان متبوعة بسهرة مع فيلم رعب وسيجارتين محشوتان بحشيش كافية لتنجدني في حل أسئلة هذا الاختبار؟!.
فتحت الورقة بيدين مرتعشتين ونظرت أتأمل الأسئلة,
غريب..لا أرى هنا أسئلة البتة..ماهذا السطر ..كتابته غريبة اية رموز صاغت هذا النص الغريب!
خطوط متداخلة عجيبة تتلوى كمن دبت فيها روح الحياة..!
تلفت حولي فرأيت الكل منكبا على ورقته بدون انقطاع , كيف يعقل أن يجيبوا على شيء كهذا..؟ مهلا لابد و أن يكون هناك ثمة خطب ما..!
نظرت وراءا لزميلي فوجدته مكبوبا بدوره على الورقة , عجيب انها أول مرة أراه في هذا النشاط و التركيز.
نظرت الى الأستاذ الذي كان يرمقني بتساؤل , قبل أن استنجد به صائحا:
-استاذ , ثمة خطب في هذه الورقة..
علت وجهه ابتسامة ساخرة و عيناه تنطقان بالتهكم..
وقف بجانبي ونظر الى الورقة قبل ان يلتفت الي قائلا بتهكم:
- لا بد من أن في عقلك خطب ما يا بني , الأسئلة واضحة و النص لا غبار عليه , هل نظرك سليم بني؟؟
اخذت أفكار سوداء تزحف على ذهني المكدود من التعب , نظرت لصديقي متوسلا العون فاصطدمت بلا مبالاة غريبة منه , مهلا..ان ورقته تشبه ورقتي , نفس الرموز الغريبة , ماهذا كيف يجيب على نص غريب كهذا..؟!
تصاعدت الدماء الى رأسي فارتميت على أحد زملائي بالفصل سارقا ورقته لأجد نفس النص و نفس الرموز الغريبة , ثم طالت يدي ورقة آخر و التهمتها عيني بسرعة , تبا ماهذه المزحة الغريبة..؟..لا انها ليست بمزحة..!
فنظرات غاضبة تتطاير منها الشرر ترمقني بعنف , الأستاذ , زميلي , وباقي الطلبة...
تبا ماذا يحدث لي , انه حلم بالتأكيد , عدم استطاعتي لفك هاته الرموز دليل على هذا الحلم المريع , لا بد أنني أحلم وفي الحلم لا يستطيع الانسان القراءة , نعم انه حلم , دارت الأفكار بسرعة و تلاحقت أنفاسي ثم ضباب كثيف..و...
- بني أفق يا بني...
اخترق صوت الأستاذ أذني و يداه تهزني بلطف
ففففففف..! انه حلم آخر..أين أنا الآن...؟
اتضحت الرؤية و صفت تدريجيا لأجد نفسي مازلت في القاعة و قد خلت من الطلبة , وورقة الامتحان قد انكمشت بين يدي فيما كنت نائما و قد امتلأت بريقي المبلول , ياله من دوار عنيف و ياله من صباح !...
نظر الي الأستاذ ثم أخذ الورقة من يدي وقال مواسيا:
- لا أدري بما تمره به حاليا من ظروف , و لكني أنصحك بالتفكير مليا في حالتك هاته , فمستقبلك بين يديك و الحياة قاسية , وليكن الله في عونك.
ثم تنهد و أدار ظهره مبتعدا , تاركا رأسي في دوامة من الذهول و الحنق.
مامعنى كل هذا , أنام في الفصل و اثناء الامتحان..!
فففففففففف...تبا للفيلم و الحشيش انهما السبب في كل هذا ,
وأيضا تبا لزميلي الذي تركني نائما اثناء الامتحان.
نهضت متثائبا وجمعت حاجياتي ونفسي معلقة في شيء واحد ,
سيجارة محشوة بحشيشة و كل شيء سيصبح 10/10
خرجت من القاعة أجر أذيال الخيبة فيما الأستاذ ينظر الى ورقة ايجاباتي ثم يكور رمز الصفر عليها , ويأخذ ورقة أخرى ثم أخرى , وحاله تتأسف على هذا الجيل الصاعد من الشباب , جيل ينتظره مصير أسود و قاسي...و ..ومظلم.